كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} عطف كما قال أبو البقاء على إطعام واستظهره غير واحد، واختار الزمخشري أنه عطف على محل {مِنْ أَوْسَطِ} ووجهه فيما نسب إليه بأن {مِنْ أَوْسَطِ} بدل من الإطعام والبدل هو المقصود ولذلك كان المبدل منه في حكم المنحى فكأنه قيل: فكفارته من أوسط ما تطعمون.
ووجه صاحب «التقريب» عدوله عن الظاهر بأن الكسوة اسم لنحو الثوب لا مصدرًا، فقد قال الراغب: الكساء والكسوة اللباس فلا يليق عطفه على المصدر السابق مع أن كليهما فيما يتعلق بالمساكين، وبأنه يؤدي إلى ترك ذكر كيفية الكسوة وهو كونها أوسط، ثم قال: ويمكن أن يجاب عن الأول بأن الكسوة إما مصدر كما يشعر به كلام الزجاج أو يضمر مصدر كالإلباس، وعن الثاني بأن يقدر أو كسوتهم من أوسط ما تكسون وحذف ذلك لقرينة ذكره في المعطوف عليه أو بأن تترك على إطلاقها إما بإرادة إطلاقها أو بإحالة بيانها على الغير، وأيضًا العطف على محل {مِنْ أَوْسَطِ} لا يفيد هذا المقصود وهو تقدير الأوسط في الكسوة فالإلزام مشترك ويؤدي إلى صحة إقامته مقام المعطوف عليه وهو غير سديد اهـ.
وقال الألوسي:
واعترض بعض المحققين على ما نسب إلى الزمخشري أيضًا بأن العطف على البدل يستدعي كون المعطوف بدلًا أيضًا وإبدال الكسوة من {إِطْعَامُ} لا يكون إلا غلطًا لعدم المناسبة بينهما أصلًا وبدل الغلط لا يقع في الفصيح فضلًا عن أفصح الأفصح.
ومنع عدم الوقوع مما لا يلتفت إليه، وجعل غير واحد هذا العطف من باب:
علفتها تبنًا وماءًا باردًا

كأنه قيل إطعام هو أوسط ما تطعمون أو إلباس هو كسوتهم على معنى إطعام هو إطعام الأوسط وإلباس هو إلباس الكسوة وفيه إيهام وتفسير في الموضعين.
واعترض بأن العطف على هذا يكون على المبدل منه لا البدل، وأجيب بأن المراد أنه بالنظر إلى ظاهر اللفظ عطف على البدل وهو كما ترى، واعترض الشهاب على دعوى أن الداعي للزمخشري عن العدول إلى الظاهر إلى اختيار العطف على محل {مِنْ أَوْسَطِ} تحصيل التناسب بين نوعي الكفارة المتعلقة بالمساكين بأنه كيف يتأتى ذلك وقد جعل العطف على {مِنْ أَوْسَطِ} على تقدير بدليته وهو على ذلك التقدير صفة إطعام مقدر انتهى.
وقد علمت أن هذا رأي لبعضهم.
وبالجملة فيما ذهب إليه الزمخشري دغدغة حتى قال العلم العراقي: إنه غلط والصواب العطف على {إِطْعَامُ}، وقال الحلبي: ما ذكره الزمخشري إنما يتمشى على وجه وهو أن يكون {مِنْ أَوْسَطِ} خبرًا لمبتدأ محذوف يدل عليه ما قبله تقديره طعامهم من أوسط فالكلام تام على هذا عند قوله سبحانه: {عَشَرَةِ مساكين} ثم ابتدأ أخبارًا آخر بأن الطعام يكون أوسط كذا.
وأما إذ قلنا إن {مِنْ أَوْسَطِ} هو المفعول الثاني فيستحيل عطف {كِسْوَتُهُمْ} عليه لتخالفهما إعرابًا انتهى.
ثم المراد بالكسوة ما يستر عامة البدن على ما روي عن الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه وأبي يوسف فلا يجزي عندهما السراويل لأن لابسه يسمى عريانًا في العرف لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الإطعام باعتبار القيمة، وفي اشتراط النية حينئذٍ روايتان.
وظاهر الرواية الإجزاء نوى أو لم ينو.
وروي أيضًا أنه إن أعطى السراويل المرأة لا يجوز وإن أعطى الرجل يجوز لأن المعتبر رد العري بقدر ما تجوز به الصلاة وذلك ما به يحصل ستر العورة والزائد تفضل للتجمل أو نحوه فلا يجب في الكسوة كالإدام في الطعام والمروي عن محمد أن ما تجوز فيه الصلاة يجزىء مطلقًا.
والصحيح المعول عليه عندنا هو الأول، ويشترط أن يكون ذلك مما يصلح للأوساط وينتفع به فوق ثلاثة أشهر، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت العباءة تجزىء يومئذٍ، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يجزىء قميص أو رداء أو كساء، وعن الحسن أنها ثوبان أبيضان.
وروى الإمامية عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنها ثوبان لكل مسكين ويجزىء ثوب واحد عند الضرورة واشترط أصحابنا في المسكين أن يكون مراهقًا فما فوقه فلا يجزىء غير المراهق على ما ذكره الحصكفي نقلًا عن «البدائع» في كفارة الظهار، وسيأتي إن شاء الله تعالى في آية كفارة الظهار أن المراد من الإطعام التمكين من الطعم وتحقيق الكلام في ذلك على أتم وجه.
وقرئ {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} بضم الكاف وهو لغة قدوة في قدروة وأسوة في أسوة.
وقرأ سعيد بن المسيب واليماني {أَوْ} بكاف الجر الداخلة على أسوة وهي كما قال الراغب الحال التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنًا وإن قبيحًا.
والهمزة كما قال غير واحد: بدل من واو لأنه من المواساة.
والجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف والتقدير أو طعامهم كأسوة أهليكم، وقال السعد: الكاف زائدة أي أو طعامهم أسوة أهليكم، وقيل: الأولى أن يكون التقدير طعام كأسوتهم على الوصف فهو عطف أيضًا على {مساكين مِنْ أَوْسَطِ} وعلى هذه القراءة يكون التخيير بين الإطعام والتحرير في قوله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فقط وتكون الكسوة ثابتة بالسنة.
وزعم أبو حيان أن الآية تنفي الكسوة وليس بشيء، وقال أبو البقاء: المعنى مثل أسوة أهليكم في الكسوة فلا تكون الآية عارية عن الكسوة وفيه نظر إذ ليس في الكلام ما يدل على ذلك التقدير.
والمراد بتحرير رقبة إعتاق إنسان كيف ما كان.
وشرط الشافعي عليه الرحمة فيه الإيمان حملًا للمطلق هنا على المقيد في كفارة القتل.
وعندنا لا يحمل لاختلاف السبب.
واستدل بعض الشافعية على ذلك بأن «الكفارة حق الله تعالى وحق الله سبحانه لا يجوز صرفه إلى عدو الله عز اسمه كالزكاة.
ونحن نقول: المنصوص عليه تحرير رقبة وقد تحقق.
والقصد بالإعتاق أن يتمكن المعتق من الطاعة بخلوصه عن خدمة المولى ثم مقارفته المعصية وبقاؤه على الكفر يحال به إلى سوء اختياره»
.
واعترض بأن لقائل أن يقول: نعم مقارفته المعصية يحال به إلى ما ذكر لكن لم لا يكون تصور ذلك منه مانعًا عن الصرف إليه كما في الزكاة؟ وأجيب بأن القياس جواز صرف الزكاة إليه أيضًا لأن فيه مواساة عبيد الله تعالى أيضًا لكن قوله صلى الله عليه وسلم: «خذها من أغنيائهم وردها إلى فقرائهم» أخرجهم عن المصرف.
وقد ذكر بعض أصحابنا ضابطًا لما يجوز إعتاقه في الكفارة وما لا يجوز فقال: متى أعتق رقبة كاملة الرق في ملكه مقرونًا بنية الكفارة وجنس ما يبتغي من المنافع فيها قائم بلا بدلا جاز وإن لم يكن كذلك فإنه لا يجوز وهل يجوز عتق الأصم أم لا؟ قولان، وفي «الهداية»، ويجوز الأصم والقياس أن لا يجوز وهو رواية «النوادر» لأن الفائت جنس المنفعة إلا «أنا» استحسنا الجواز لأن أصل المنفعة باق فإنه إذا صيح عليه يسمع حتى لو كان بحال لا يسمع أصلًا بأن ولد أصم وهو الأخرس لا يجزئه. انتهى.
ومعنى أو إيجاب إحدى الخصال الثلاث مطلقًا وتخيير المكلف في التعيين ونسب إلى بعض المعتزلة أن الواجب الجمع ويسقط واحد.
وقيل: الواجب متعين عند الله تعالى وهو ما يفعله المكلف فيختلف بالنسبة إلى المكلفين.
وقيل: إن الواجب واحد معين لا يختلف لكن يسقط به وبالآخر.
وتفاوتها قدرًا وثوابًا لا ينافي التخيير المفوض تفاوته إلى الهمم وقصد زيادة الثواب فإن الكسوة أعظم من الإطعام والتحرير أعظم منهما.
وبدأ سبحانه بالإطعام تسهيلًا على العباد.
وذكر غير واحد من أصحابنا أن المكلف لو أدى الكل جملة أو مرتبًا ولم ينو إلا بعد تمامها وقع عنها واحد هو أعلاها قيمة ولو ترك الكل عوقب بواحد هو أدناها قيمة لسقوط الفرض بالأدنى.
وتحقيق ذلك في الأصول.
{فَمَن لَّمْ يَجِدْ} أي شيئًا من الأمور المذكورة {فَصِيَامُ ثلاثة أَيَّامٍ} أي فكفارته ذلك.
ويشترط الولاء عندنا ويبطل بالحيض بخلاف كفارة الفطر.
وإلى اشتراط الولاء ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وقتادة والنخعي.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة: يا رسول الله نحن بالخيار فقال صلى الله عليه وسلم: «أنت بالخيار إن شئت أعتقت وإن شئت كسوت وإن شئت أطعمت فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن حميد وابن جرير وابن أبي داود في «المصاحف».
وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}.
وأخرج غالب هؤلاء عن ابن مسعود أنه كان يقرأ أيضًا كذلك، وقال سفيان: نظرت في مصحف الربيع فرأيت فيه {فمن لم يجد من ذلك شيئًا فصيام ثلاثة أيام متتابعات} وبمجموع ذلك يثبت اشتراط التتابع على أتم وجه، وجوز الشافعي رحمه الله تعالى التفريق ولا يرى الشواذ حجة، ولعل غير ذلك لم يثبت عنده واعتبر عدم الوجدان والعجز عما ذكر عندنا وقت الأداء حتى لو وهب ماله وسلمه ثم صام ثم رجع بهبته أجزأه الصوم كما في «المجتبى»، ونسب إلى الشافعي رضي الله تعالى عنه اعتبار العجز عند الحنث.
ويشترط استمرار العجز إلى الفراغ من الصوم فلو صام المعسر يومين ثم قبل فراغه ولو بساعة أيسر ولو بموت ورثه موسرًا لا يجوز له الصوم ويستأنف بالمال.
ولو صام ناسيًا له لم يجز على الصحيح، واختلف في الواجد فأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: إذا كان عنده خمسون درهمًا فهو ممن يجد ويجب عليه الإطعام وإن كان عنده أقل فهو ممن لا يجد ويصوم.
وأخرج عن النخعي قال: إذا كان عنده عشرون درهمًا فعليه أن يطعم في الكفارة، ونقل أبو حيان عن الشافعي وأحمد ومالك أن من كان عنده فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته يومه وليلته وعن كسوته بقدر ما يطعم أو يكسو فهو واحد، وعن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه إذا لم يكن عنده نصاب فهو غير واجد.
{ذلك} أي الذي مضى ذكره {كَفَّارَةُ أيمانكم إِذَا حَلَفْتُمْ} أي وحنثتم وقد مر تفصيل ذلك.
و{إِذَا} على ما قال السمين لمجرد الظرفية وليس فيها معنى الشرط، وجوز أن تكون شرطية ويكون جوابها محذوفًا عند البصريين، والتقدير إذا حلفتم وحنثتم فذلك كفارة أيمانكم.
ويدل على ذلك ما تقدم أو هو ما تقدم عند الكوفيين والخلاف بين الفريقين مشهور {واحفظوا أيمانكم} أي راعوها لكي تؤدوا الكفارة عنها إذا حنثتم أو احفظوا أنفسكم من الحنث فيها وإن لم يكن الحنث معصية أو لا تبذلوها وأقلوا منها كما يشعر به قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لايمانكم} [البقرة: 224] وعليه قول الشاعر:
قليل الألايا حافظ ليمينه ** إذا بدرت منه الألية برت

أو احفظوها ولا تنسوا كيف حلفتم تهاونًا بها وصحح الشهاب الأول.
واعترض الثاني بأنه لا معنى له لأنه غير منهي عن الحنث إذا لم يكن الفعل معصية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «فليأت الذي هو خير وليكفر» وقال سبحانه: {فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيمانكم} [التحريم: 2] فثبت أن الحنث غير منهي عنه إذا لم يكن معصية فلا يجوز أن يكون {فِى أيمانكم} نهيًا عن الحنث، والثالث بأنه ساقط واه لأنه كيف يكون الأمر بحفظ اليمين نهيًا عن اليمين وهل هو إلا كقولك: احفظ المال بمعنى لا تكسبه، وأما البيت فلا شاهد فيه لأن معنى حافظ ليمينه أنه مراع لها بأداء الكفارة ولو كان معناه ما ذكر لكان مكررًا مع ما قبله أعني قليل الألايا.
واعترض الرابع بأنه بعيد فتدبر {كذلك} أي ذلك البيان البديع {يُبَيّنُ الله لَكُمْ آياته} أعلام شريعته وأحكامه لا بيانًا أدنى منه، وتقديم {لَكُمْ} على المفعول الصريح لما مر مرارًا.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نعمة التعليم أو نعمه الواجب شكرها. اهـ.